لم يكن غرضى الأساسى فى سلسلة مقالات جيل الحلم والكابوس أن أحاكم نظاماً بقدر ما كنت أحاكم جيلاً وأطلب إجابة أسئلة محيرة عن مواقف هذا الجيل وانحيازاته حتى لا تنتقل عدوى تزييف الوعى التى عاشها هذا الجيل إلى الأجيال الجديدة التى لم تعرف من هو عبدالناصر أو من هو السادات وما هى الثورة أساساً؟!، لذلك اندهشت من تعليق الأستاذ منتصر الزيات الذى حول الأمر إلى محاكمة لعبدالناصر للدفاع عنه وعاد بالقضية إلى المربع رقم صفر، ولكن بالرغم من ذلك فتعليقه مهم ويحتاج إلى تعليق، وسأستغل مقالة منتصر الزيات لمناقشة منهج التفكير الذى يحكم ردود فعل كل من لديه أرتيكاريا تجاه انتقاد ثورة يوليو.

يضع الأستاذ منتصر عنواناً لمقاله «محاكمة جيل اللصوصية والبيزنس أولى»، وكأنه من المستحيل أن أتحدث فى الموضوعين وأحاكم الجيلين!، وهذا يكشف عن عورة المنهج الأولى وهى شعار إما هذا أو ذاك، والسؤال لماذا لا يجتمع هذا مع ذاك؟، ولماذا تحسب من ينتقد يوليو على أنه يناصر جيل اللصوصية؟!، ألا يوجد اختيار آخر وهو أننى أنتقد يوليو وفى الوقت نفسه انتقد زمن الفساد الذى أعيش فيه، ومتى سيأتى الوقت الذى لا نصنف فيه منتقدى عبدالناصر على أنهم بالضرورة ساداتيون أو مباركيون؟، هناك جيل جديد يتشكل رافضاً لكل هذه المنظومة من يوليو حتى الآن، وهو على يقين بأنه لن يحدث تقدم إلا بالثورة على فلسفة هذه المنظومة ككل، لابد أن نفهم هذا الجيل، وأبناؤه هم من أتوجه إليهم لأنهم لا يحملون ثأراً ولا جرحاً ولا غنيمة أيضاً، هم فقط يحلمون بوطن مختلف لا يقيد ماضيه مستقبله، وطن على الزيرو!!

قابل الأستاذ الزيات عم سعيد بائع السمك فى «أبوقير» فسأله وهو فى منتهى الحزن، لماذا ينبش خالد منتصر فى الماضى؟، وأنا أطمئن عم سعيد السماك بأنه ليس نبشاً فى الماضى وأطلب منه أن ينظر فى قائمة المسؤولين الكبار الذين يحكمون عقل مصر الآن فسيجدهم من أبناء التنظيم الطليعى وبعضهم كان عضواً فى الاتحاد الاشتراكى!،

أى أن الماضى مازال جاثماً على صدر الحاضر، وأسأل الأستاذ منتصر هل عندما درس قضايا تنظيم الجهاد والجماعات الإسلامية، ألم يحس بأنفاس الفتنة الكبرى ورفع المصاحف على أسنة الرماح وصدى «لا حكم إلا لله» التى صدرها الخوارج كدستور لهذه التنظيمات، ألم يحس بصدى سنابك خيل معركة صفين يتردد فى حاضرنا حتى هذه اللحظة ويؤجج خلافاتنا الدينية؟،

هذا حديث من أكثر من ألف سنة فما بالك وأنا أتحدث عن ثورة عمرها أقل من ستين سنة!، وأعطيك مثالاً بسيطاً لتأكيد ما أقوله، هل عسكرة المجتمع بداية من رئيس المجلس المحلى حتى مدير حديقة الحيوان مروراً بمدير مكتب وزير التعليم ورئيس الأوبرا.. أليست هذه العسكرة واعتماد ثقافة السمع والطاعة ونفذ وبعدين اتظلم من إفراز هذه الفترة الثورية؟

أما ما قاله الأستاذ منتصر عن الديكتاتور الوطنى فهو خرافة تكرس تزييف الوعى، ويكفى الرد بأن هتلر كان وطنياً متطرفاً فهل نغفر له ديكتاتوريته ونازيته لأنه كان وطنياً يحب ألمانيا لدرجة الجنون؟!